الاثنين 30 آذار 2009 - السنة 76 - العدد 23654
محليات سياسية
1460 يوماً على اعتصام أهالي المعتقلين
وفكرة ترشّح عاد قد تخلط الأوراق
لا تغدو لافتة "مخطوف صوتن" المكتوبة على احدى الصور في خيمة اهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية امام " الاسكوا"، مجرد عبارة. هي اعمق من الكلمات، واوسع من نقمة. إنها صرخة عمرها اعوام. صرخة امهات نقلن حياتهن منذ اربعة اعوام، الى خيمة. هناك، ينتظرن الامل. ينتظرن الابناء، لكن صوتهن لا يزال مخطوفا، تماما مثل صوت ابنائهن، على الرغم من انهن لم يتركن مناسبة الاّ ردّدن: "نريد ابناءنا، اينما كانوا، احياء ام رفاتاً".
واذا كانت كل القضايا تحتمل التأجيل وفق "العادة اللبنانية"، فان قضية تعني المعتقلين لا يمكن ان تنتظر. هي تهدّد، في كل ثانية، حياة انسان بالموت داخل اقبية السجون، او تترك الاهل فريسة انتظار قاس، لا يسمح لام بأن تعلن الحداد، فتحرم حتى الصلاة على قبر ابن اودع على لائحة المخفيين قسرا.
ولان الصوت مخطوف حكما، وسط مزايدات السياسيين وصراخ المتاجرين بهذا الملف، كان لا بد من نقلة تعطي قضية المعتقلين دفعا، او اقّله نمطا آخر من التحرك، علّ الغصات تتبدّد قليلا، فتتعلق الامهات بأمل جديد. من هنا، بدأ يتردد خبر ترشيح رئيس "جمعية اهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية" (سوليد) غازي عاد، ورافقت ذلك استطلاعات دورية للرأي، بدأت قبل نحو شهر، وبدأت الارقام ترتفع، حتى تجاوزت الـ700 صوت لعاد، بزيادة نصف الاصوات عن المرشح الثاني.
واسم عاد ورد ضمن استطلاعات الرأي بناء على طلب من عدد من اهالي المعتقلين الذين ملّوا الوعود والانتظار. اليوم، هم لا يريدون سوى شخص منهم، عايش معاناتهم ولا يزال، بل بادر الى اطلاق التحرك لاطلاق المعتقلين، حين كان من يزايد حاليا في القضية، داخل سرب الصفقات وزمن الوصايات، يشارك في طمس حقائق عن مصير المعتقلين، او في احسن الاحوال يتكتّم على المعلومات او يخفيها.
1460 يوماً
منذ 29 - 12 - 1989، بدأ عاد العمل في هذا الملف، وكان هو وصونيا عيد وفيوليت ناصيف من الاوائل الذين جاهدوا لرفع الصوت، فيما كانت تكمّ الافواه، "حفاظا على السلم الاهلي والعلاقات الاخوية". ورويداً رويداً، تراكم العمل وكبرت كرة الثلج. من بيانات صغيرة، الى مؤتمرات محلية وتظاهرات متلاحقة، مرورا بمؤتمرات دولية ومذكرات متتالية الى الامم المتحدة ومراجع اخرى. هكذا كان السيناريو، وصولا الى اطول اعتصام يدخل بعد اسابيع قليلة عامه الرابع، اي ما يوازي 1460 يوما.
في 11 نيسان 2005، اي في اليوم الاول من الاعتصام، قال عاد: " نريد اولادنا، ونخاف على قضيتنا بعد الانسحاب السوري".
ايام مرت والامهات يتأملن صور اولادهن معلقة على خيمة، ولا من يبالي.
زيارات متتالية لسوريا من اكثر من مسؤول لبناني، ولا شيء خرق هذا الملف. اعلان البدء بعلاقات ديبلوماسية بين البلدين، ولا حديث عن مصير معتقلين لبنانيين، وسط تخوّف من نية سورية لحصر القضية بمحكومين، بعد الكلام الاخير للرئيس السوري بشار الاسد.
لا المذكرات - المطالب لاقت آذانا صاغية، وآخرها المذكرة الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان في 21 تموز 2008، ولا خراطيم المياه برّدت وجع الاهالي. على العكس، كانت الامهات يفترشن الطرق، وكل مفترق عرف مرارتهن، وشهد على وجعهن، حتى طريق القصر الجمهوري سلكنها. تلقّين الضرب، واجهن رجال الامن وحواجز الحديد، ومنعن من دخول المراكز الرسمية، وشيء واحد لم يتبدّل: اهمال الملف والاكتفاء بالوعود تلو الوعود.
لم يوفّرن زيارة مسؤول اجنبي او عربي الا حاولن ايصال الرسالة، وإن بعد اذلال وضرب وتطويق لأمكنة تجمعاتهن، وكل مرة كانوا يسمعون العبارة نفسها: " قضيتكم باتت على طاولة البحث السياسي"، انما يبدو ان هذا البحث سيبقى جاريا.
يقول عاد: " لا احد، لا من 8 آذار ولا من 14 آذار، حمل ملفنا كما يجب. لا بد من صوت داخل مجلس النواب، يتجنّد لهذه القضية، او على الاقل يعطيها بعدا آخر. لذا كانت فكرة ترشحي".
يفضل عاد الا يدخل في تفاصيل تتعلق بمكان ترشحه او شكله، ولا يحسم حتى الان امكان ترشحه منفردا: "بالنسبة اليّ، للمكان ايضا رمزية ودلالة، فهو لا بد ان يرتبط مباشرة بقضية المعتقلين والمخفيين عموما، وكل تفصيل سيأتي في وقته".
من الواضح، ان فكرة الربح والخسارة ليست ضمن الاولويات عند عاد، فما يفكّر فيه انطلاقا من ترشحه هو دفع القضية المنسيّة، وهذا ما يعتبر خرقا مهما للحياة السياسية في لبنان، وقد تكون له اكثر من تبعات. يشير عاد الى ان "ما من شخص طرح الملف كأولوية في برنامجه السياسي. تكلّم الجميع فيه، ولكن ما من طرف قارع المعنيين وواجهم بالحقيقة. مضت الاعوام، لا بل العمر بأكمله سيمرّ، وما من حل".
في 28 حزيران 2006، كبّل عدد من الامهات الايدي بسلاسل حديد، وتحت لهيب الشمس، وقفن امام السرايا، من دون ان يسمح لهن بالدخول. يومها، قال عاد: "قضيتنا لم تعد تحتمل التأجيل. سئمنا الخطابات". ومن النشاط الاهلي - الميداني الى العمل السياسي البرلماني، قد تتحوّل قضية المعتقلين مع ترشيح عاد، على الرغم من انه لم يقدّم ترشحه رسميا بعد.
وحين تسأله عما قد يتردد من انه استغل الملف للوصول الى الندوة البرلمانية، يبادرك على الفور: " لكنّا استغللنا الملف من زمن. ثم، من يدّعي هذا الكلام، فليواجهني ببرنامجه ورؤيته لحل المشكلة. اذا دخلت مجلس النواب، فمن اجل قضيتنا. الاهالي تعبوا، ولا يريدون الا الحل. يكفي اذلالا ومزايدات. الاهم اني ادخل، ومعي كل المعطيات التي كنت اجاهد طيلة اعوام لايصالها علّ صوتنا يصل".
ولكن، الا يعتبر هامش التحرك عند عاد من موقعه الحالي، اقوى منه لدى اي نائب آخر، يجيب: "الفرق بين رئيس جمعية ونائب، ان الاخير يملك سلطة تسمح له بالتحرك ضمن نطاق اوسع، اذا كان ينوي مساعدة اللبنانيين وتلبية مطالبهم. ولولا جهدنا الاستثنائي مع جميع الامهات اللواتي لا يزلن ينمن داخل خيمة، لكان الزمن طوى الملف".
واذا كان عاد لا يكشف "مزيدا من اوراقه"، فان المكان بات محسوما لديه، من دون ان يعلنه، ومن المتوقع ان يقدّم اوراق ترشحه رسميا منتصف الاسبوع المقبل.
الواقع قد يخلط الاوراق في اكثر من دائرة، فيعيد الاصدقاء قبل الخصوم، حساباتهم. الا ان الاهم ان تسلك قضية المعتقلين طريقها الى الحل، لان من لا يزال يزور الامهات في الخيمة، وهم قلائل، يعرف حجم الوجع الذي لا يوازيه عذاب.
منال شعيا
Living Room Design
9 years ago