أهالي المفقودين «يكسرون الجرّة» مع الدولة
أهالي المفقودين عاتبون على وسائل الإعلام (مروان بو حيدر)
مرّت سنة على غياب أوديت سالم عن خيمة أهالي المخطوفين والمفقودين في بيروت. لأوديت حضور قوي عجز الموت عن إزاحته. أمس، احتفى زملاؤها بذكراها الأولى، وأطلقوا موقفاً حاسماً يعكس يأسهم من سلوك الدولة تجاه قضيتهم
لا يزال الوجع على حاله. يسيطر الهدوء على الحديقة مقابل مبنى «الإسكوا»، لولا مجموعة صغيرة من أمّهات وإخوة تمرّسوا على الألم. عام مضى وطيف أوديت سالم يحتضن المنتظرين. ابتسامة أوديت في صورها الكثيرة، لا تخفّف عن «زميلاتها» من أمّهات المفقودين. حتى الابتسام في هذه البقعة الصغيرة مطعّم بالحسرة. لكنّ الحسرة لن تمنع الاستمرار بمتابعة القضيّة. فقد شهد يوم أمس خطوةً لافتة في قضية المفقودين. فما يمكن فهمه من بيان الأهالي واضح جداً: قطيعة مع الدولة اللبنانية التي ترى في عملهم سذاجة سياسيّة! يتوضّح ذلك في متن البيان: «لقد أُبلغنا رسمياً أننا سذّج في السياسة حين نعتقد أنّ في الإمكان تأليف هيئة وطنية لضحايا الإخفاء القسري، وأن إنشاء قاعدة بيانات الحمض النووي هو أمر مستحيل». هكذا، يبرّر أهالي المفقودين خطواتهم المقبلة، «لن نقع فريسة اليأس والوعود الكاذبة، ولن ننتظر بعد اليوم من السلطات أن تكون على مستوى المسؤولية (..) سنعمل كأن الدولة ليست موجودة حتى تثبت أنها على قدر كاف من الحس بالمسؤولية». ما هي الخطوات إذاً؟ يجيب البيان: «فحوص الحمض النووي ليست بحاجة إلى قرار حكومي، وكذلك متابعة البحث وتطبيق القوانين. سنسعى بكلّ جهد، وبالوسائل المتاحة، إلى الهدف المرجو، ألا وهو الحقيقة. حقيقة مصير المُخفَين قسراً». بالنسبة إلى الأهالي، التعامل مع الدولة، حسب خبرتهم، بات في خبر كان.
هكذا، على وقع الموقف الحاسم، احتفى أمس زملاء «عميدة الخيمة» أوديت سالم بذكراها بعد مرور 13 شهراً على وفاتها. بدأ المشاركون بالتجمّع. رفعت مريم السعيدي لافتة جديدة تحمل صورة ابنها ماهر وجواز سفره. تعلن أمام الحاضرين «أنا أتبرّع بجسمي لكليّة العلوم، فليُشرّح وليستفد منه المتعلّمون، وأرفض بعد موتي كل الاحتفالات والتكريم. لا أريد لمستثمري قضيّتنا أن يستفيدوا».
سنعمل كأن الدولة ليست موجودة وبالوسائل المتاحة
تخرج شقيقة أوديت عن صمتها: «المسؤولون لا يتأثرون بشيء. أين حقوق الإنسان؟ مجروحون وقلوبنا تنزف ولا من يسمعنا من الرؤساء». يردّ رئيس جمعية «سوليد» غازي عاد «صحيح في خيبات أمل، لكن ذلك يجب ألّا يؤثر على معنوياتنا». متظاهر مصري يحمل علم بلاده وعليه صورتان لمفقودين هما أخاه وابن قريته. لم يزر محمود إبراهيم خالد مصر منذ 31 عاماً، «أنتظر عودة أخي حمادة وزميله في الجامعة سعد أبو العينين من السجون السورية». يصل النائب غسان مخيبر حاملاً باقات ورود بيضاء، وتسير خلفه كاميرا، وعلى سترته ميكروفون صغير. يؤكّد مخيبر أن الأمر جاء صدفةً «إذ إننا نصوّر برنامجاً للـ«أو تي في» يتمحور حول يوم في حياة نائب، وهذا جزء من يومياتي». يُرفع العلم اللبناني، حيث اختبأت تحته لوحة تذكارية «تحية لأوديت وعبرها إلى جميع الأهالي وجمعيات المجتمع المدني والأفراد الذين مازالوا يناضلون من أجل حقّهم في معرفة مصائر أحبّائهم»، كما كتب في وسط اللوحة.
أهالي المفقودين عاتبون على وسائل الإعلام، وخصوصاً التلفزيونات التي لم تحضر كاميراتها كما كانت تفعل في السابق. وبعد قراءة البيان، ساروا في اتجاه مكان وفاة أوديت لوضع الورود. لكنّ الأمر تطوّر إلى قطع الطريق. فوجئ المارة وسائقو السيارات بصرخات الأهالي. تجول والدة المفقود سعد الدين الغرباوي بين السيارات المتوقفة «شوفو أولادنا، صرلي 24 سنة ناطرة، معليش نطرو 10 دقايق معنا»، تصرخ من دون أن تفلح الدعوات في إقناعها بفتح الطريق. لم تكن العودة إلى الخيمة هادئة. الأهالي غاضبون. بعضهم مقتنع بعشر دقائق أوصلت الرسالة، وبعضهم يريد ساعة «تهزّ القابعين في السرايات». حوار مشحون بين مريم السعيدي ومخيبر تعاتبه فيه على طلب إنهاء إقفال الطريق بعد 10 دقائق. النقاشات بين المنظّمين تناولت أسلوب التحرك في المرات المقبلة. البعض يقترح قطع أكثر من طريق، والبعض الآخر يدعو إلى التمهل كي «لا يمل الناس منّا».
No comments:
Post a Comment