بعدما خصمت «كهرباء لبنان» راتب أيلول وقيمة الفواتير التي جباها يوم اختفائه من كفالته
عائلة الجابي المفقود عدنان جحا تسأل: «الدولة أخذت حقها كاملاً، فلماذا لا تعطينا حقنا؟»
يوسف حاج علي
«... لذلك تقرر وفقاً للمطالعة:
أولا: تسطير مذكرة تحرّ دائم توصل لمعرفة مصير المخطوف جابي الكهرباء عدنان ابراهيم جحا والكشف على كامل هوية الفاعلين والمتواطئين في هذه العملية.
ثانياً: حفظت الأوراق مؤقتاً (...)
بعبدا في 4/2/2009».
هكذا، يكون قد أغلق فعلياً ملف جابي الإكراء سابقاً في دائرة الشياح ـ مديرية التوزيع في بيروت وجبل لبنان، والذي فقد في نطاق عمله بين منطقتي المريجة وكفرشيما منذ 19/1/2006. أغلق فعلياً، حتى ظهور أدلة جديدة في الحادثة، عند قاضي التحقيق محمد خير مظلوم.
وإلى اليوم، ما زالت أحلام سكيكي (34 سنة)، زوجة عدنان، كلما سمعت خبراً عن العثور على جثة جديدة عبر وسائل الإعلام، تسارع للاستفسار والتأكد من أن الجثة المذكورة لا تخص زوجها المفقود.
أما القصة مع مؤسسة كهرباء لبنان، المؤسسة التي كان يعمل لحسابها عدنان عندما فقد، فموضوع آخر.
في 10/2/2009 تقدمت أحلام من مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، بطلب قطع حساب وإعطاء براءة ذمة مالية لزوجها المفقود. طلبها كان وقتها معللاً بأن زوجها قد فقد منذ أكثر من ثلاث سنوات وليست هناك أي معطيات أو ظواهر حتى اللحظة تدل إلى إمكانية ظهوره مجدداً، و«حفاظاً على سمعة المؤسسة وسمعته».
ستنتظر أحلام حتى تاريخ 12/11/2009 إلى حين تصفية حساب عدنان في المؤسسة. وستقبض من مؤسسة الكهرباء مبلغاً قيمته بالضبط ستة ملايين ومئة وسبعة آلاف ليرة لبنانية لا غير. هذا المبلغ هو الذي تبقى للعائلة من قيمة الكفالة التي يودعها الجابي في المؤسسة عندما يبدأ العمل فيها (قيمتها 12 مليون ليرة).
إذ اقتطعت المؤسسة من الكفالة عائدات راتب أيلول وقيمتها 692 ألف ليرة، زائد مبلغ 5 ملايين و893 ألف ليرة. هذا المبلغ هو قيمة الفواتير التي اعتبرت أن عدنان جباها ويدين لها بها لحظة فقدانه.
لم تسأل أحلام عن كفالة زوجها في الفترة الأولى لفقدانه، لأنها كانت تحافظ على أمل العودة. قدمت بكتابها إلى المدير العام بعدما أُغلق ملف القضية في المحكمة. وتخلل موضوع الكفالة، الذي دام نحو تسعة أشهر، الكثير من المماطلات والإجراءات والتنقل بين موظفي المؤسسة. مدير عام المؤسسة رفض أن يقابلها على الرغم من أنها التمست هذه المقابلة عدة مرات. كانت ستطلب منه التسريع في معاملاتها والتضامن، بالحد الأدنى، مع موظف من مؤسسته فُقد مصيره. هذا الأمر لم يحصل، مع أنه كان قد التقى بها في الفترة الأولى لفقدان عدنان. تعرفت أحلام خلال رحلتها هذه إلى جميع الطوابق والموظفين في المؤسسة. أكثر من ذلك، فقد اشترت بطاقة خاصة بموقف السيارات قرب مبنى المؤسسة، بسبب كثرة الزيارات التي اضطرت للقيام بها من أجل تحصيل حقها وحق ولديها. تقول إحلام أنها كانت تتوقع تحرير الكفالة كاملة: «وإذا ظهر زوجي في وقت لاحق، يصفي حسابه شخصياً مع المؤسسة».
عمل عدنان جابياً في المؤسسة لمدة تسع سنوات (بين 1997 و2006). في صباح اليوم نفسه الذي فقد فيه، كان قد أودع مبلغاً من عهدة الأيام السابقة التي جباها (تبلغ قيمته 11 مليون وتسعة وعشرون ألف ليرة لبنانية) بحسب كتاب رسمي موثق من «بنك بيبلوس» إلى مدير عام مؤسسة الكهرباء كمال الحايك.
على صعيد العائلة الصغيرة التي فقدت أحد رأسيها، لا يزال مفهوم الأبوة ملتبساً عند رامي (6 سنوات) ابن عدنان الأصغر. فالطفل لم يتعرف فعلياً على والده، الذي لم يرجع من العمل بعد، إلا من خلال الصور. غياب الوالد أثر أيضاً في ابراهيم (11 سنة)، شقيقه البكر، والتلميذ في الصف الخامس الابتدائي، إذ بات مؤمنا بقوة بأن الله لا يستجيب لدعاء والدته. صار الطفل الذي على مشارف المراهقة حاداً وحازماً جداً في تصرفاته. يستغرق كثيراً في التفكير، وتمر فترات لا ينام فيها. في إحدى المرات، شاهد في نومه أنه صار شاباً، وفي الحلم نفسه، عاد والده من غربته القسرية. وبعدما استيقظ من النوم، سأل والدته: «هل من الممكن أن يتحقق المنام؟».
يبكي كثيراً، ولا يقبل أن يقال أن والده متوف. زملاؤه في المدرسة يسألونه طوال الوقت عنه. حتى عندما تريد والدته أن تتابع موضوعاً يخص قضية والده، فإنها تقوم بذلك بعيداً عن ناظريه وناظري أخيه.
في موضوع عدنان، تعتبر أحلام أن مؤسسة الكهرباء ومديرها العام ووزير الطاقة حصّلوا حقهم حتى آخر ليرة ممكنة «بما فيها كسر الأرقام». وتسأل: «أين حقي كمواطنة تبحث عن مصير زوجها المفقود عند وزير الداخلية؟ أين حق ولديّ في معرفة مصير والدهما؟ أين ذهب مصير عامل لبناني في مؤسسة ذات طابع عام كان يجبي أمولاً للدولة اللبنانية؟ الدولة أخذت حقها كاملاً، فلماذا لا تعطنا حقنا؟».
Living Room Design
9 years ago
No comments:
Post a Comment