لجان الأهالي اعتبرته خطوة غير مسبوقة
قرار قضائي بالاستحصال على التحقيق الرسمي حول مصير المخطوفين
يوسف حاج علي
أصدرت قاضية الأمور المستعجلة في بيروت زلفا الحسن قراراً إعدادياً، بتاريخ 23/10/2009، في إحدى الدعويين اللتين تقدمت بهما كل من «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» و«لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين - سوليد»، بتاريخ 29/4/2009، لتحديد مواقع المقبرتين الجماعيتين في محلتي مار متر في الأشرفية، ومدافن الشهداء في حرج بيروت، وحراستها تمهيدا للتعرف على هوية الجثث المدفونة فيها.
ويقضي قرار القاضي الحسن بتكليف كاتب المحكمة غسان مشلب بالانتقال إلى رئاسة مجلس الوزراء للاستحصال على صورة عن كامل الملف المتعلق بالتحقيق الذي أجرته لجنة التحقيق الرسمية التي شكلت العام 2000 في عهد الرئيس سليم الحص للاستقصاء عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين، والذي ذكر صراحة هاتين المقبرتين، وحق ذوي المفقودين بالمعرفة والذي بات مبدأ قانونيا مكرسا دوليا، بما فيه صورة عن التقرير الطبي الصادر عن لجنة الأطباء الشرعيين المكلفين.
وكانت الدولة قد أنشأت لجنة تحقيق رسمية برئاسة العميد الركن سليم أبو اسماعيل، في العام 2000، سجل لديها 2046 مفقوداً لكن الأهالي رفضوا نتائجها لأنها طالبت باعتبار كل مفقود مر على ظروف اختفائه مدة أربع سنوات وما فوق، ولم يعثر على جثته، بحكم المتوفى.
معنى هذا أن كاتب المحكمة سينتقل خلال هذا الأسبوع، بحسب ما أشار خبير قانوني لـ«السفير» لاستلام الملف (سلفت الجهة المدعية مبلغاً قدره 250 ألف ليرة كبدل انتقال له بحسب قرار القاضي)، وبعد أن يستلمه يعلق الفرقاء عليه، ثم تأخذ القاضية القرار على ضوء تعليقات الفرقاء (أي اللجنتين ومطرانية بيروت للروم الأرثوذكس بصفتها المسؤولة عن مدافن مار متر)، علماً بأن الدعوى الثانية المقامة ضد جمعية المقاصد الخيرية بصفتها المسؤولة عن مدافن الشهداء في حرج بيروت تنتهي المرافعات في شأنها في 11/11/2009.
ويعتبر الخبير القانوني القرار إنجازاً، «فالقاضية كانت قادرة على رد الدعوى، أما عندما تصدر قراراً إعدادياً فمعنى هذا أنها قبلتها شكلاً وأنها وافقت على حق المعرفة، وهنا الإنجاز الكبير للقرار».
ويوضح الخبير القانوني أن الأهالي يطالبون بتدابير حماية لمار متر لأنها وردت في تقرير اللجنة ومن حق القاضية أن تعرف ماذا في الملف حتى تحدد الخطوة اللاحقة «فربما يكون مكان المقبرة الجماعية محدداً فلا يعود هناك من داع لتعيين لجنة خبراء لتحديد مكانها».
ويشير إلى أنه «ما دام هناك مطلب بإزالة تعد واضح على حق معترف به فمعنى هذا أن قاضي الأمور المستعجلة صالح للنظر في الدعوى».
وتعليقاً على القرار قالت رئيسة «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» وداد حلواني لـ«السفير»: «شعرنا بعد كل هذه السنوات من المماطلة من المسؤولين السياسيين أن القضاء سينصفنا وتمسكنا به ولو أنه إعدادي، لكننا لمسنا فيه الجدية ونتمنى على قاضية الأمور المستعجلة الاستمرار بمتابعة الدعوى بالجدية نفسها إلى حين صدور الحكم». وقالت: «نحن لا نطالب بأكثر من أن ينصفنا القضاء. نريد الحقيقة والعدالة».
وتابعت حلواني: «قرار القاضية أكد أننا نملك حق المعرفة، وحق المعرفة مكرس في القانون الدولي الإنساني وفي كل المعاهدات والمواثيق وحقوق الإنسان». كما أشارت إلى أن اللجان انتظرت حتى يوم أمس لإصدار بيانها حول القرار لأننا قرأنا القرار وتفاصيله. لم نعتبره انتصاراً ونقطة على السطر. نقول إن هذا بداية تلمس الطريق الحقيقي والصحيح ومسار الدعوى هو الذي يؤكد على نزاهة القضاء وعدالته».
وتمنت على المعنيين، لا سيما الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تسهيل مهمة إعطاء صورة عن الملف كاملاً، بأقصى سرعة ممكنة.
وأكد رئيس «لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين - سوليد» غازي عاد لـ«السفير» أن «هذا القرار تثبيت لحق المعرفة لنا ولكل الناس، وتثبيت لحق اللجان التقدم بالدعاوى من أجل الحق العام». وأشار إلى أن الهدف ليس الادعاء على المطرانية وجميع المقاصد الخيرية «بل نحن نطالب بوضع حراسة على الأماكن التي ذكرت في تقرير لجنة التحقيق الرسمية ويهمنا التعاون مع المطرانية والمقاصد من أجل الوصول إلى الحقيقة».
وقد أصدرت «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان»، و«لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين - سوليد»، و«لجنة أهالي المعتقلين في السجون السورية»، و«المجلس اللبناني لحقوق الإنسان» بياناً أكدت فيه أن هذا القرار يشكل بحد ذاته أو بما يعد له، اعترافا بحق ذوي المفقودين بالمعرفة وذلك من زاويتين: حق الاطلاع على التحقيقات وحق الكشف على المقابر الجماعية وحراستها تمهيدا لتحديد هوية الأشخاص الذين دُفنوا فيها».
وشددت اللجان على أن هذا القرار يشكل خطوة غير مسبوقة في اتجاه الإقرار بما يعانيه ذوو المفقودين منذ عقود وبما يطالبون به بدءا من لقاء الأمهات على خطوط التماس، وصولا إلى الخيمة القائمة منذ 2005 في وسط بيروت، مرورا بحملة «من حقنا أن نعرف».
واعتبرت اللجان أن للقرار ايجابية ثانية مفادها الاعتراف بحق جمعيات ذوي المفقودين، التي تقدمت بالدعوى، في الدفاع عن مصالح أعضائها «وهو أمر أساسي يسمح لهؤلاء بالتضامن في ما بينهم وبتوحيد آهاتهم ومطالبهم أمام المحاكم، وهو شرط أساسي لصمودهم في مواجهة محاولات سياسات النكران والإضعاف والتهميش».
ورأت اللجان أن هذا القرار يُعدّ وسام شرف على صدر القضاء اللبناني وبادرة أمل بقدرته على استعادة رونقه ودوره حامياً للحقوق الأساسية وللحريات، وملجأ أمان لكل من يتنكر النظام السياسي السائد لحاجاته وأوجاعه وأهم من ذلك رائداً اجتماعياً يقوّم القضايا الاجتماعية الطارئة والمستجدة وفقا لموازين العدل «وحسبنا في هذا الإطار المقارنة بين جدية هذا القرار والسياق العملي الذي أخذه واللامبالاة أو بأحسن الأحوال خطابات المجاملة أو الاستيعاب التي نضحت بها الطبقة السياسية دون أي متابعة منذ بدء القرع على أبوابها».
وأملت اللجان أن يشكل القرار قدوة ونموذجا يحتذى بالنسبة إلى المعنيين كافة، وبشكل أعم «كل من يعرف». ودعت الجميع وعلى رأسهم أمانة مجلس الوزراء، ومطرانية الروم الأرثوذكس وجمعية المقاصد الإسلامية (أصحاب الأراضي) الى التجاوب مع وجهة القرار وتفهم أوجاع ذوي المفقودين والتعاون معهم لكشف الحقائق، على نحو يسهم في تغليب المبادئ المشتركة وكلمة الحق على أي اعتبار آخر.
وأكدت اللجان أن ذوي المفقودين هم اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التضامن في ما بينهم وتضامن الناس معهم «فزخم الناس هو بالنسبة للحق كالماء للبذرة، شرط أساسي كي يرسخ في الأرض وينمو فيزهر. وهو الزخم الذي أبقى القضية قائمة حتى اليوم وسيبقيها حتى تبلغ خواتيمها».
Living Room Design
9 years ago
No comments:
Post a Comment