لجان أهالي المفقودين والمخطوفين في ذكرى 13 نيسان: أعطونا الهيئة الوطنية!
يوسف حاج علي
مرت خمس سنوات طويلة على الاعتصام في وسط بيروت. الوسط نفسه المشع بالألوان والأضواء والأبنية الشاهقة. اعتصام في خيمة سكّانها من الأمهات اللواتي خطفت الحرب أبناءهن وبناتهن منهن. الخيمة لا تبعد كثيراً عن مقري مجلس الوزراء ومجلس النواب. مع ذلك، لا يبدو أنها تثير اهتمام سكان هذين المقرين على الرغم من أن أماً، والدة مخطوفَين، قضت شهيدة بالقرب منها، ومع أن دموعاً كثيرة قد سالت خلال نصبها، وبعده، وقبله بكثير. دموع تسيل منذ تاريخ إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب الأهلية.
الخيمة في مكانها، لم تتزحزح منذ خمس سنوات، لكن هناك من لا يريد أن يعترف بها أو أن يرى نقطتها الصغيرة جداً قياساً لخريطة الوسط.
مرت أحداث كثيرة على الوطن الصغير. ضربت أوتاد كثيرة في أرض الوسط لخيم قام أصحابها بفكها بعدما أيقنوا أن مطالبهم قد تحققت. لكن، لهذه الخيمة وضع خاص. لا أحد من المسؤولين يريد أن يعترف، حتى الساعة، بحقوق أصحابها. فهذه الحقوق تعود إلى زمن الحرب، التي يصر الكثير منهم على طمسها في ذاكرته.
لكن ربما، ما لا يدركه هؤلاء المسؤولون ـ الذين لا يصادف عبثاً أن أكثرهم من أبطال الحرب ـ أن كتاب النار لن يطوى ويوضع على الرف، قبل كشف مصير آخر مفقود أو مخطوف فيها. ولو حاولنا أن نكتب تاريخنا الوطني منذ تاريخ 13 نيسان 1975 وحتى تاريخ آخر رصاصة معروفة في الحرب، من دون تحديد مصير هؤلاء المفقودين والمخطوفين، نكون قد زورنا الماضي والحاضر والمستقبل معاً.
خمس سنوات مرت على خيمة لا تعيش على أرض حديقة جبران خليل جبران في وسط بيروت فحسب، بل في قلوب عائلات نحو 17000 لبناني وغير لبناني، ضاعت مصائرهم فوق أرض هذا الوطن. أمس كان يومهم، هم الذين فرض عليهم أن يدفعوا الأثمان الأغلى. حضر أهاليهم بدعوة من كل من «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» و»لجنة أهالي المعتقلين في السجون السورية» و»لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين ـ سوليد» للمشاركة في هايد بارك «تنذكر تما تنعاد». هدفهم كان واحداً موحداً: أعطونا هيئة وطنية محايدة تتولى هذا الملف، بكامل عناصره وتشعباته وتعقيداته، وصولاً إلى كشف الحقيقة كاملة، وذلك سعياً لمعالجة هذا الملف وإقفاله بشكل صحيح ونهائي. مجدداًً، بشكل صحيح ونهائي.
آن لأوتاد هذه الخيمة أن تفك.
قدمت للهايد بارك الممثلة والمخرجة زينة دكاش. واعتبرت عضو لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في نقابة محامي بيروت ندى أدهمي أن «استمرار عدم معرفة الكثير من اللبنانيين لمصير أبنائهم هو من أبشع ضروب التعذيب».
وقال الوزير السابق دميانوس قطار، الذي لفت إلى أنه خطف خلال الحرب، إن شعوره هو بأن «السياسيين خائفون من المجيء إلى هنا»، قاصداً خيمة الاعتصام. بينما خاطب النائب غسان مخيبر الأهالي قائلاً: «باسمي وباسم الأمة اللبنانية التي أمثلها، أتقدم بكلمة اعتذار لأن الدولة ظلت لسنوات طويلة مقصرة بحقكم». ولفت ممثل رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية د. عادل خليفة إلى أن «الحرب مستمرة بغياب المفقودين والمخطوفين».
وخاطبت رئيسة «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» وداد حلواني رئيس الجمهورية، مشيرة إلى أن الأهالي ما زالوا ينتظرون ترجمة خطاب القسم والوعد الذي قطعه أمامهم بأنه لن يألو جهداً في سبيل حل هذا الملف. كما خاطبت رئيس الحكومة قائلة: «لقد طال انتظارنا كي تحدد لنا دقائق نلتقي بك لشرح قضيتنا».
أسعد الشفتري، الذي قدمته عريفة الحفل بـ»الناشط في السلم الأهلي والناشط السابق في الحرب»، اغتنم المناسبة للاعتذار مجدداً. وقال إنه خلال مرحلة جديدة من حياته، عمل على عدة حالات خطف وصل فيها إلى طريق مسدود بسبب عدة عوامل منها العمل في السر، ومرور الزمن، والناس الذين قاموا بمحو قرارات صعبة اتخذوها من ذاكراتهم، والخوف من الانتقام.
وأشار محامي اللجان نزار صاغية إلى أن مفتاح الحل هو «تكريس حق المعرفة». وأشار المنسق العام لتجمع «وحدتنا خلاصنا» د. مكرم عويس إلى أن «قصة المخطوفين هي قصة لبنان والنزاع المستمر».
واعتبر «رئيس لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين ـ سوليد» غازي عاد أن «المسؤولين لم يقدموا شيئاً «والدولة التي من واجباتها حسب الدستور والقوانين حماية مواطنيها تصرفت بطريقة فيها الكثير من التواطؤ مع الذين ارتكبوا هذه الجريمة من خلال قانون عفو أنصف المجرمين ولم ينصف الضحايا، ومن خلال الإهمال والتهميش، ومن بعده القمع ومحاولات إغلاق الملف من خلال لجان فاشلة، وأخيرا جرعة مسكن ببيان وزاري يدّعي أنه سوف ينظر في تشكيل هيئة وطنية».
واعتبر الوزير السابق د. جورج القرم أن «القضية هي قضية الوطن بأجمعه»، في حين تحدثت الممثلة جوليا قصار عن مشاركتها في مسرحية «ذكريات أيوب» عام 1993 (قدمت يومها دور الراحلة، شهيدة الخيمة، أوديت سالم) التي تقدمت منها، يومها، بوجه هادئ وابتسامة. وقالت عنها: «كانت ابتسامتها أقوى من أي دمعة».
أما مسؤول منطقة الشرق الأوسط في «منظمة العفو الدولية» أحمد كرعود فأكد أن «هناك نوعاً من المكابرة من قبل السلطات اللبنانية لعدم تناول هذا الموضوع». وطالب «رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان» وديع الأسمر بهيئة وطنية مستقلة لبحث قضية الإخفاء القسري، فيما أكدت نيكول جبرون، التي تحدثت باسم الشباب اللبناني، «أننا سنكمل بنفس الهمة للوصول إلى الحقيقة».
واقترحت رئيسة «لجنة حقوق المرأة اللبنانية» ليندا مطر إقامة خيم اعتصام أخرى أمام منازل الرؤساء، ومن بيدهم القرار، والميليشيات التي مارست الخطف. ودعا الإعلامي حبيب يونس إلى إنشاء عنوان بريدي، تحدده الدولة، يتم تقديم المعلومات من خلاله. أما الكلمة الأخيرة فكانت لمريم الصعيدي التي وجهت تحية لجميع الأمهات اللواتي أردن أن يشاركن، لكن لم يستطعن، بسبب تقدمهن في السن وعجزهن
Living Room Design
9 years ago
No comments:
Post a Comment