«آخر صورة: هيي وقاطعة..»
أوديت سالم تعود بعيني وداد حلواني
يوسف حاج علي
ليست وداد حلواني سينمائية. لكنها رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان تعرف الألم الذي حملته معها الراحلة أوديت سالم، التي اختطف ولداها في العام 1985، إلى التراب.
بعد وفاة أوديت إثر صدم سيارة لها أثناء عبورها تجاه خيمة الاعتصام الرابضة أمام مبنى الاسكوا كتب وقيل الكثير عنها. لكن هناك جزءاً عن أوديت لم يقل بعد. ووداد هي بعض هؤلاء الذين لم يقولوا كل شيء بعد. تعرف وداد أوديت سالم جيداً. هما رفيقتا درب فرضت عليهما. طريق تدفع ثمنها عائلات سبعة عشر ألف مخطوف ومفقود مع عائلاتهم.
عندما توفيت أوديت بعد رحلة انتظارها الطويل تملكت وداد الكثير من الأحاسيس. مشاعر تمزج ما بين الغضب والحزن والشعور بالمسؤولية تجاه الراحلة وولديها المفقودين. وأوديت حالة خاصة بالنسبة لوداد ولكثر غيرها. فقدت زوجها، فترملت. ومن ثم فقدت ولديها، ريشار وماري كريستين، العشرينيين.
تقول وداد: «شعرت بمكان ما أنه يتوجب علي أن أحيطها وأهتم بها وأتابعها أكثر نتيجة لخصوصية هذا الوضع. مشاعر الأمومة متساوية عند كل الأمهات لا سيما اللواتي فقدن أبناءهن لكن ألمها كان أكبر. عندما تذهب إلى منزلها لم يكن هناك شخص ثالث بانتظارها.. وبرغم ذلك تمكنت من الوقوف على رجليها لتتابع رحلة البحث عن ولديها».
عندما قررت وداد أن تصور فيلماً يضيء على نضال أوديت لم يكن الهدف إيلام الناس بل أن تحيي من خلاله نضال الراحلة الطويل. توفيت أوديت في آخر السبعينيات من عمرها بعدما قضت ثلث عمرها، أو أقل بقليل، تبحث عن ولديها.
وأوديت كانت تمد وداد، والكثير من الأمهات الأخريات بالقوة دون أن تعرف هذا ودون أن يعلنّ هنّ عن هذا الأمر. كل هذا دفع وداد للتفكير. كانت قد كتبت عنها وتحدثت عنها خلال تشييعها قرب خيمة الاعتصام، لكنها لم تشعر أنها قالت كل شيء «ربما لم يقل الفيلم كل شيء أيضا، ربما ما زال هناك الكثير ليقال لا اعرف متى أو كيف.. وهناك أوديت الحاضرة في يومياتي والتي أقول لها صباح الخير كل يوم أمر فيه على جسر فؤاد شهاب، أثناء ذهابي إلى العمل، عندما انظر إلى خيمة الاعتصام».
هكذا، فجأة، جاءت فكرة إعداد فيلم عن أوديت دون تصور أو تصميم. وفيلم «آخر صورة: هيي وقاطعة..» وثائقي من 16 دقيقة جمعت مادته من مقابلات مسجلة مع الراحلة مرت في أفلام وثائقية وحلقات تلفزيونية سابقة، ومن مجموعة صور أوديت الخاصة المتواجدة في منزلها. كما استعانت وداد بمواد من أرشيف اللجنة كانت قد صوّرت خلال تشييع أوديت وسهرة إضاءة الشموع التي اختتمت فيها التعازي وبعض اللقطات من منزلها.
والمقابلات والتسجيلات حصلت عليها وداد من أفراد، كما استخدمت صوراً لمصورين ومتعاطفين مع القضية. وكانت قد سبقت فترة التحضير للفيلم فترة شهر من الأبحاث والقراءات وتجميع المواد الخاصة فيه.
فكرة الفيلم ونصّه وإعداده تعود لوداد. في النص كتبت وداد لأوديت عن أوديت. وقرأت وداد بصوتها عن علاقتها بالراحلة، وقراءتها لحياتها، ومتابعتها لآلامها، وعن الجانب القوي في أوديت الذي لم يخفت فيه الأمل حتى اليوم الأخير من حياتها «وقد تغير نص الفيلم مرات عدة بعدما اكتشفت أن هناك فرقاً بين النص الخاص بالقراءة والنص الخاص بالعرض السينمائي».
وتخلل الفيلم مقتطفات موسيقية من أغنيتين لفيروز، وموسيقى من مقطوعة لجورج ونستون، ومقطع للموسيقي إنيو موريكوني من فيلم «المهمة». وتمت منتجته في جمعية «بيروت دي سي» بمساعدة من السينمائية إليان الراهب ورهام عاصي.
وسبق للفيلم أن عرض مرتين مع ترجمة إلى الانكليزية في إطار مناسبتين لضحايا الإخفاء القسري. الأولى في مدينة لياج في بلجيكا، في إطار المهرجان الدولي «صوت النساء» الذي تزامن مع «اللقاء الدوري للشبكة الدولية لعائلات المفقودين» بين الواحد والعشرين والثامن والعشرين من تشرين الثاني الماضي. ولجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان عضو مؤسس في هذه الشبكة. ويعقد الاجتماع مرة كل عامين، وقد أُهدي الاجتماع الأخير إلى أوديت سالم.
أما العرض الثاني فكان في الثاني عشر من كانون الأول الجاري خلال افتتاح «الاجتماع الثالث للفدرالية الأورومتوسطية لعائلات ضحايا الإخفاء القسري» في المدينة التركية، اسطمبول.
وتطوّعت منسقة الشبكة الدولية البلجيكية لورانس فان باي شن على ترجمة الفيلم إلى الفرنسية، كما تطوعت العضو في الشبكة المسرحية الأرجنتينية آنا وولف على ترجمة الفيلم إلى الاسبانية، بعدما لاقى صدى جيداً خلال عرضه.
ووثائقي «آخر صورة: هيي وقاطعة..» لن يباع لأنه ليس تجارياً. تختم وداد: «ربما أرسله إلى مهرجانات وجمعيات معنية بحقوق الإنسان».
يوسف حاج علي
يعرض الفيلم عند السابعة والنصف من مساء غد الثلاثاء، في قاعة المحاضرات التابعة لمعرض الكتاب العربي، في البيال.
Living Room Design
9 years ago
No comments:
Post a Comment